كَيفَ يَكُونُ الحَيَاءُ مِنَ اللَهِ تَعَالَى؟


الاِستِحيَاءُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: هُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَى فُحْشٍ، وَغِنَاءٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ بَطْنَهُ فَلَا يُدْخِلُ إِلَيْهِ حَرَامًا، وَيَحْفَظُ فَرْجَهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فَاحِشَةً، وَيَذْكُرُ المَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَعِدُّ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَآثَرَ مَـا يَبقَى عَلَـى مَـا يَفنَى، فَآثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا. وَهَكَذَا يَكُونُ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى الاِستِحيَاءِ؛ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الحَيَاءِ.


عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلا مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ»
يَا لَهَا مِن وَصِيَّةٍ: مَا أَجَلَّهَا وَأَعْلَاهَا! لِمَن وُفِّقَ لِلعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا.


فَمِنْ وَقَارِ اللَّهِ: أَنْ يَسْتَحِيَ العَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى «فِي الخَلوَةِ، أَعظَمَ مِمَّا يَستَحِي مِنْ أَكَابِرِ النَّاسِ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟!




فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ.

قَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ --- وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا --- إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي


وعَنْ بَهْزٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قُلْتُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ


فَقَد أَمَرَ النَّبِـيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم الرَّجُلَ: أَن يَستُـرَ عَورَتَـهُ، وَإِن كَانَ خَالِيًا لَا يَـرَاهُ أَحَدٌ، تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاستِحيَاءً مِنهُ؛ فَكَيفَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ حَيَاءُ الإِنسَانِ مِنهُ تَعَالَى، إِذَا رَآهُ حَيثُ نَهَاهُ؟!


«فَمَتَى كَمُلَ حَيَاءُ الإِنْسَانِ [مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]، فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الخَيْرِ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الشَّرِّ؛ وَصَارَ بِالفَضْلِ مَشْهُورًا، وَبِالجَمِيلِ مَذْكُورًا» . فَسَلِمَتْ أَفْعَالُهُ، وَتَهَذَّبَتْ أَخْلَاقُهُ، وَطَهُرَ سِرُّهُ، وَظَهَرَ بِرُّه.