توقير الله

من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير لك من الناس
وقلبُك خال من تعظيم الله وتوقيره ...
فإنك توقِّر المخلوق وتجلّه أن يراك في حال لاتوقر الله أن يراك عليها..
قال تعالى : ( مالكم لا ترجون لله وقاراً )..
أي لا تعاملونه معاملة من توقرونه..
والتوقير: العظمة.. ومنه قوله تعالى: ( وتوقروه )..
قال الحسن: مالكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرونه؟؟؟
وقال مجاهد: لاتبالون عظمة ربكم.

وقال ابن زيد: لاترون لله طاعة.
وقال ابن عباس: لاتعرفون حق عظمته..
هذه الأقوال ترجع الى معنى واحد..
وهو أنهم لو عظموا الله وعرفوا حق عظمته وحدوده وأطاعوه وشكروه...
فطاعته سبحانه واجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره في القلب..
ولهذا قال بعض السلف: ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أن يذكره
عِندَما يُستَحى من ذكره..فيقرن اسمه به كما تقول: قَبَّحَ الله الكلب والخنزير
والنتن ونحوذلك.. فهذا من وقار الله..

ومن وَقارِه أن لايعدل به شيئاً من خلقه.. لافي اللفظ..
بحيث يقول: والله وَحَيَاتِك.. مالي الا الله وأنت.. وما شاء الله وشئت..


ولافي الحب والتعظيم والإجلال والطاعة.. فتطيع المخلوق في أمره
ونهيه كما تطيع الله.. بل أعظم..
كما عليه أكثر الظَّلَمة والفَجَرة..
ولافي الخوف والرجاء.. ويجعله أهون الناظرين إليه..
ولا يستهين بحقه ويقول: هو مبني على المسامحة..
ولا يجعله على الفضلة.. ويقدم حق المخلوق عليه..
ولايكون الله ورسوله في حدٍّ وناحية.. والناس في ناحية وحدّ..
فيكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي
فيه الله ورسوله... ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولُبَّه
ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه..
ولا يجعل مراد نفسه مقدَّماً على مراد ربه...

فهذا كله من عدم وقار الله في القلب.. ومن كان كذلك فإن الله لايلقي له في
قلوب الناس وقاراً ولا هيبة.. بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم..
وإن وقروه مخافة شره ..فذاك وقارُ بُغضٍ لاوقارُ حُبٍّ وتعظيم..
ومن وقار الله أن يستحي من اطلاعه على سرِّه وضميره فيرى فيه ما يكره..
ومن وقاره أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس..

والمقصود أنَّ من لا يوقر الله وكلامه وما آتاه من العلم والحكمة
كيف يطلب من الناس توقيره وتعظيمه؟؟!!
القرآن والعلم وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم صِلاتٌ من الحق وتنبيهات
وروادع وزواجر واردةٌ إليك.. والشيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك..
فلا ما ورد إليك وعظك؟؟!! ولا ما قام بك نصحك؟؟!!
ومع هذا تطلب التوقير والتعظيم من غيرك!!
فأنت كمصاب لم تؤثر فيه مصيبته وعظاً وانزجاراً.. وهو يطلب من غيره
أن يتعظ وينزجر بالنظر الى مصابه.. فالضرب لم يؤثر فيه زجراً
وهو يريد الإنزجار ممن نظر الى ظربه..

من سمع بالمثلاتِ والعقوبات والأيات في حق غيره ليس كمن رآها عياناً في غيره..
فكيف بمن وجدها في نفسه؟؟
قال تعالى : ( سنريهم ءاياتنا في الأفاق وفي أنفسهم )..
فآياته في الأفاق مسموعة معلومة.. وآياته في النفس مشهودة مرئية..
فعياذاً بالله من الخذلان..
قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون..
ولو جآتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم )
وقال تعالى : ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا
عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله )..
والعاقل المؤيد بالتوفيق.. يعتبر بدون هذا.. ويتم نقائص خلقته بفضائل أخلاقه وأعماله..
فكما امتحى من جثمانه أثر زاد في إيمانه أثر..
وكلما نقص من قوى بدنه زاد في قوة إيمانه ويقينه ورغبته في الله والدار الآخرة..

وإن لم يكن هكذا فالموت خيرٌ له.. لأنه يقف به على حدّ معين من الألم والفساد..
بخلاف العيوب والنقائص مع طول العمر.. فإنها زيادة في ألمه وهمه وغمه وحسرته..
وانما حسُن طول العمر ونفع ليحصل التذكر والإستدراك واغتنام الغرض والتوبة النصوح..
قال تعالى : ( اولم نعمركم ما يتذكَّر فيه من تذكر )..
فمن لم يورثه التعمير وطول البقاء إصلاح معائبه.. وتدارك فارطه..
واغتنام بقية أنفاسه.. فيعمل على حياة قلبه.. وحصول النعيم المقيم..
وإلا فلا خير له في حياته...

فالطالب الصادق في طلبه الموقر لربه..كلما خرب شيء من ذاته جعله
عمارة لقلبه وروحه..وكلما نقص شيء من دنياه جعله زيادة في آخرته..
وكلما منع شيئاً من لذات دنياه جعله زيادة في لذات آخرته..
وكلما ناله هم أو حزن أو غم جعله في أفراح آخرته...
فنقصان بدنه ودنياه وجاهه ورئاسته إن زاد في حصول ذلك وتوفيره عليه في معاده..
كان رحمةً به وخيراً له.. وإلا كان حرماناً وعقوبة على ذنوب ظاهرة وباطنة
أو ترك واجب ظاهر أو باطن.. فإن حرمان خير الدنيا والآخرة مرتب على هذه الأربعة.