ابصار الطفل ، كيفية المحافظة بعيون الطفل


الرؤية عند الطفل .. كيف يطور الآباء هذه الحاسة؟
عندما يولد الطفل لا يمتلك حساسية للضوء فقط بل إنه يمتلك سمعا حادا كذلك. فهو يدير عينيه إلى مصدر الصوت، وهو يميز من كل الأصوات صوت أمه وكأن هناك خيوطا من سحر العاطفة تشده إليها، ولعل هذه الحساسية المفرطة التي يتمتع بها الطفل منذ ميلاده قد جعلت بعض المستشفيات تعمد إلى تخفيض الأضواء والأصوات في قاعات الولادة حتى يستقبل الصغير عالمه الجديد غير نادم على ما فات أو قلق مماهو آت.. يقول سبحانه وتعالى في سورة الإنسان إنا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلنا سميعا بصيرا ولعل ذكر الخالق للسمع والبصر تحديدا وفي أكثر من آية له مدلولات كثيرة ومعان يتوقف عندها المرء متأملا مفكرا.
الرؤية عند الميلاد
إذن فالطفل يتأثر بالضوء منذ مولده وهو يغلق عينيه عندما يواجه الضوء الباهر، لكن قدرات الطفل البصرية عند الولادة تفوق مجرد التأثر بالضوء فقط، فالطفل الوليد يمكن أن يركز بصره على الأشياء الكبيرة اللامعة من مسافة 6 - 12 بوصة تقريبا.. والطفل الوليد يمكن أن يميز الأشياء ذات الخطوط المنحنية أكثر من تلك ذات الخطوط المستقيمة وإذا ما رتبنا هذا كله معا فإن الوجه البشري يكاد تنطبق عليه كل هذه الشروط، ويكاد يكون هذا الوجه هو كل عالم الصغير في أيامه الأولى فكأن منسوب الرؤية عنده وفي لحظاته الأولى بعد الولادة ينسجم تماما مع ما يصادفه بعينيه من وجود المحيطين به.
وبعد مرور أسبوعين أو ثلاثة بعد ميلاد الطفل يكون قادرا على إقامة علاقة ترابطية بين وجه أمة وصوتها وهنا يجد الطفل نفسه مدفوعا "للحملقة" في وجه أمه ويتحول هذا الوجه إلى مصدر أمان وحب ودفء، ويكفي في هذه الحالة صوت الأم أيضا الذي أصبح له نفس المعنى في ذهن الصغير.
ويبدأ الطفل الوليد في الابتعاد عن الأشياء التي لا يرغب في رؤيتها بداية من الأسبوع السادس بعد الولادة، ولهذا الاختيار عند الطفل معنى خاص فهو يدير عينيه بعيدا عما يكره أو لا يرغب في رؤيته وفي هذا الوقت تقوى عيناه قليلا ويبدو كما لو كان الطفل يريد أن يرى أكثر فنراه يطيل فترة النظر (البحلقة) إلى الأشياء، وهو بهذا يحاول أن ينقل أكبر قدر ممكن من موضوع الرؤية إلى عقله المحدود.
والحقيقة أن هذه البحلقة أو إطالة فترة النظر - كما أثبت هيث سنة 1981 - من شأنها إثارة المنطقة البصرية من القشرة المخية وتنشيطها.
وعندما يبلغ الطفل شهرين من عمره فإنه يطيل النظر أكثر إلى العينين والحاجبين في كل الوجوه التي يراها، والحقيقة أن الطفل يميز ما هو حاد ومختلف كلية عما يحيط به. إن الأشياء الحادة والمختلفة تماما هي القادرة على تنبيه الرؤية عند الطفل وإثارتها في هذا الوقت من عمر الطفل .
وفي الشهر الثالث من عمر الطفل نراه قادرا على اكتشاف البيئة حوله فنجده يدير بصره في كل اتجاه، وفي هذا الوقت تكون العضلات الست التي تحرك العينين قد أصبحت أكثر قوة وانسجاما، فإن الطفل الآن يحرك عينيه - معا - في توافق تام .. وكان قبل ذلك يبدو كما لو كان هناك انحراف(حول) في إحدى العينين عن الأخرى وقد يتحول هذا إلى مصدر قلق وإزعاج للأبوين إلا أن هذا الحول الطبيعي لا يستمر - عادة - ويختفي عندما تقوى عضلات العين وتعمل جميعا في توافق وتوازن.
والطفل في شهره الرابع يكون قادرا على تركيز بصره على الأشياء من مسافات مختلفة كما أنه أصبح الآن أكثر قدرة على فحص ما يراه بصورة كلية وهناك شيء أكثر أهمية من كل ذلك يكتسبه الطفل عند هذا العمر وهو تمييزه للألوان، لقد أصبح عالم الطفل الآن عالما ملونا .. فالطفل يمكن أن يميز من الألوان الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر، وهناك من الباحثين من يقول إن الطفل يدرك الألوان بعينه منذ مولده إلا أن ذلك لم يثبت بتجارب مؤكدة.
ويستطيع الطفل أن يدرك البعد الثالث (العمق) للأشياء عندما يبلغ شهره السادس، وقد أجرى العلماء تجارب كثيرة عرفت باسم "منظور الجرف" أكدت أن الطفل يدرك أن لبعض الأشياء عمقا بداية من شهره السادس، وهكذا يبدأ الطفل في معرفة الخوف من السقوط إلى أسفل وهو شيء له دلالة من الناحية النفسية.
تحديد البعد واللون
ومن الشهرين الثامن والتاسع من عمر الطفل نراه قادرا على الوصول إلى الشيء المرئي بيديه ولمسه وهو يبدو سعيدا كلما فعل ذلك، وقد تكون حركة الطفل عند لمسة للأشياء غير دقيقة في البداية إلا أنها تتطور بسرعة ويتعرف الطفل على يديه وحركة الأصابع وهو ينظر اليهما كما لو كانا السحر أمام عينيه.
والحقيقة أننا يمكن الآن أن نقول إن الطفل قد طور علاقة بين ما يراه وبين ذاكرته فالطفل يبدي سعادة إذا ما صادف بعض اللعب عن غيرها، كما يقابل أبوية بابتسامة لها معنى وهو يستطيع أيضا تمييز الوجوه الغريبة عن تلك المألوفة له ويبدو ذلك واضحا عند زيارة الطفل للطبيب عند هذه زيارة فإنه يبكي ويصرخ ويتعلق بأمه وهو الشيء الذي لم يكن يظهره في شهوره الأولى.
وهكذا يصل الطفل إلى نهاية السنة الأولى من عمره وقد تطورت الرؤية لديه بصورة كبيرة وخلال العام الثاني من عمره يكون قادرا على رؤية أي شيء بأبعاده وألوانه، لكنه حتى ذلك الوقت لا يملك القدرة على التعبير عما يراه وهو يستطيع ذلك فقط بداية من نهاية السنة الثانية من عمره، عندما تتطور القدرات الحركية للطفل بنمو العضلات في نهاية السنة الثانية فإن الطفل يمكن من الإمساك بالملعقة ووضعها بدقة في فمه.. كما تأخذ قدرة الطفل على التذكر أبعادا جديدة فهو يستطيع أن يخفي شيئا ثم يصل إلى المكان الذي اخفى فيه هذا الشيء بعد يوم أو أكثر كما يمكن له أن يتعرف على الحيوانات ويقلد الأصوات.
إن هذه القدرات كلها لا تعني ان الطفل قد امتلك كل مفاتيح الرؤية والتعبير عما يراه بفهم وإدراك.
فالطفل حتى السنة الثالثة من عمره بل وبعد ذلك بقليل لا يستطيع التمييز بين الصورة ومقلوبها - مثلا - فهي بالنسبة له مجرد صورة .. وحرف "أ" باللغة الإنجليزية لا يحمل أي اختلاف في المعنى عند الطفل في هذا العمر مهما تغير وضعه من d أو b أو p لكن عندما يكبر الطفل ويصل إلى الخامسة فإنه يعرف الفرق بين هذا وذاك .. ولعله من المناسب - إذن - أن يكون تعلم الطفل الحقيقي يبدأ عند الخامسة من عمره.