لست وحدي
من يعرف صدر هذا البيت من الشعر النبطي ,
فهو لشاعر معروف بالبادية , المسمى بمحمد الدسم وله قصيدة عصماء
تجاوزت ثمانين بيتا , مليئة بالحكمة و مستمدة معانيها من القرآن الكريم و التعاليم السماوية السمحة , فكانت الحياة العامة و ذكاؤه الفطري هاديا له بما أتى به من نصائح أشبه بقناديل مضيئة أو نجوم ساطعة .
فما أحوجنا إلى ما ذهب إليه هذا الشاعر بمعانيه الجزلة الدسمة كاسمه و التي توافقت مع كثير من الشعراء عندما قال أحدهم : لسانك لا تذكر به عورة امرئ , فكلك عورات و للناس ألسن , فكثير,هم مرضى النفوس , الذين لا ضمير حيا لهم , يراقبون غيرهم و يرمقونهم بعين الحقد و الحسد , لأنهم فاقدون للثقة بالنفس , و فاقد الشيء لا يعطيه , ثم يطلقون عنان الألسن ليشوهوا كل فعل حسن صادر عن غيرهم , يشينه و يقبحه في عيون الآخرين , أما عن نفسه فيزكيها من كل شائبة و أنه القدوة والمرجعية التي يجب أن تؤول إليه الأمور , و هو الوحيد القادر على تصحيح مسارها ووضعها في نصابها.
يستطرد بالثناء على الأنا , يجملها بكل الصفات الحميدة , فلو تحولت هذه الصفات الى أوزان لنأت بحملها الجبال , فهو المخلص في عمله و المجتهد بواجبه , تعجز الطيور عن أن تحوم في السماء الرحب كما يحوم خياله الواسع , و تحدق عيناه بجالسيه ليغطي مخبوء صدره من الكذب و النفاق و الغش و الخداع , يسلي نفسه الأمارة له بالسوء ليصنع منها قوة زائفة أساسها الوهم و الهزل و الضعف.
هل نسي هؤلاء , الذين كانت هذه صفاتهم , مراقبة الناس ومتابعة أخبارهم , بقصد السوء , أن عين الله ترقبهم و تراقبهم وترصد كل ساكن و متحرك فيهم , و تدون في سجلاتهم تحت عنوان , ان الله يمهل و لا يهمل , و سيشق الله جيبه كما شق جيوب الآخرين.
و جب التوقف عن لعن الآخرين , فإن اللعن صفة هدم لا صفة بناء , صفة دناءة لا صفة شرف , فالجامع لعيوب الناس تجمعت به هو عيوبهم , إن شاء و إن أبى , فقد تغذت نفسه من جمعها ,من حيث يدري و من حيث لا يدري , فألصقت به , وسرت به سريان السم بالجسد , فهي قاتلته يوما , و إن طال ذاك اليوم , فهنيئا لمن وقى نفسه هذه الشرور , و بوقايته هذه فقد وقى الأطفال الأبرياء الذين يعيشون في كنفه , من أن يصيبهم هذا الداء العضال الفتاك .
مرض العظمة و مرض الأنا و الأنانية القاتلة , و الإدعاء المسموم , لا نراه بنفوس البسطاء و الفقراء , فهم أبرياء منه , ولكنه ربيع مزهر في نفوس المدعين بالعلم و المعرفة , و أصحاب المال , و المناصب الرفيعة , أصحاب الكراسي الدواره , والسيارات الفارهة , الجائعون للقناعة و التقوى , اللاهثون و راء متع الحياة , و لو كانت على حساب كرامة الاخرين , و تقطيع لحومهم وتهشيم عظامهم.
إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم بيوت الناس بالحجارة , فلربما كان زجاجك هشا؛ لا يحتمل نسمة الرياح , فكيف إذا رمي بحجر الصوان, يكسره ثم يحرقه ثم يلهبه , فتندم حين لا ينفع الندم , لم نعد نسمع إلا إطالة اللسان , في المقروء و المرئي والمسموع , في المجالس و الدواوين و الصالونات , نسمع كلام سوء لا يحمينا منه إلا حضورنا عنده , فإن غادرنا فالموج لاحق بنا و ربما كان جارفا عاتيا , و الساتر الحافظ هو الله.
فلنروض الانفس على الخير و قول الحق , فقول الحق والصدق درع حصين , يقي من الضعف و انهزام الروح و خزي العين , فإن أنت حفظت الناس حفظوك , و إن أنت أهنتهم أهانوك , فالاحترام ليس بسلعة عند تاجر تباع و تشترى , و إنما هي تربية أصيلة و اخلاق حميدة و عقيدة راسخة , و عادات موروثة ومكتسبة , وسمو للروح و هيبة و علو و شموخ , و بناء للشخصية و باعث لقوتها , فهل يتساوى الأمين و السارق في أعين الناس , شتان بذاك البوح بين الارض و السماء, و كما تدين تدان .


راق لي