ماذا أفادت الفلسفة للبشرية؟

قبل أن ندخل في صلب الموضوع نقول :
صحيح أن الفلسفة هي المعرفة كما يقول البعض لكنها تجعل العقل مصدراً لكل شيء، وهوالحاكم على كل شيء، وهذا ينافي الشريعة الإسلامية.

منذ أقدم الفلاسفة الاغريق، منذ الفيلسوف تاليس، المولود في القرن السادس قبل الميلاد وأتى بعده بقية الفلاسفة اليونانيين ، ثم الفلاسفة العرب، الكندي وابن رشد وابن حيان التوحيدي وغيرهم ثم أتى بعدهم الفلاسفة الغربيين، كيركجارد، وديكارت، وبرغسون، هيدجرـ وكامو وسارتر وغيرهم الكثير. . أقول ماذا قدموا للبشرية من تقدم وحضارة ؟ سؤال كثيراً ما ُ يطرح على الفلاسفة، ما نتج عنه إلا الشك وعدم اليقين. وفي مقابلة مع سيمون دي بفوارخليلة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أجابت على سؤال " ماذا قدمت الفلسفة للبشرية " أجابت لا شىء إلا عدم الوصول إلى الحقيقة الثابتة، وهو القلق والتمزق. وهذا كثيراً ما نقرأه في رواياتهم ومؤلفالتهم.
ويقول عالم الاجتماع ابن خلدون، في (مقدمته) الشهيرة، (إبطال الفلسفة وفساد منتحلها ولا سيما الفلسفة الميتافيزيقية، أي التي تعنى بما وراء الطبيعة، أو بـ الإلهيات. وأوصى من ينظر فيها من أهل الإسلام أن يمتلئ من (الشرعيات) أولاً، ثم قال: ولا يكِبَّنَّ عليها أحد، وهو خلو من علوم الملة، فقلّ أن يسلم لذلك من معاطبها
ونرى فيلسوف الأدباء و أديب الفلاسفة أبوحيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) يقول عن (إخوان الصفا) وفلسفتهم ورسائلهم: "تعبوا وما أغنَوْا، ونصبوا وما أجدَوْا، وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا"
و يقول الشيخ عبد الحليم محمود - شيخ الأزهر الأسبق، بعد أن رأى تعارض الفلسفة، وتضارب نتائجها، وتناقض ثمراتها: "إن الفلسفة لا رأي لها، لأنها تقرر الشيء ونقيضه.

أقوال علماء المسلمين في الفلسفة :

يقول مؤرخو التاريخ الإسلامي، هذا أبو حامد الغزالي ( تـ 555 هـ ) لقد جرب الفلسفة وأختبرها. ورفضها في النهاية وأ صبح في طليعة مفكري المسلمين الذين اتخذوا موقفاً رافضاً للفلسفة والمنطق اليوناني ، ويظهر ذلك بوضوح وجلاء في بعض مؤلفاته مثل : " المنقذ من الضلال " و " تهافت الفلاسفة " . تلك المؤلفات التي شن من خلالها حملات شرسة على الفلسفة والفلاسفة وصلت ذروتها أن كفرهم الغزالي .
و يذكر الغزالي أن الفلاسفة مختلفون ومتنازعون وأساليبهم متباعدة عن بعضها البعض، يقول :" ليعلم أن الخوض في حكاية اختلاف الفلاسفة تطويل ، فإن خطبهم طويل ، ونزاعهم كثير ، وآراؤهم منتشرة ، وطرقهم متباعدة متدابرة ." ولم يكتف الغزالي بهذا النقد الذي وجهه للفلاسفة ؛ بل أنه نعت ما تركه الفلاسفة اليونانيين والمسلمين من آراء وأفكار أنها ملاء بالتخبيط و التخليط و التشويش .
ويشير الغزالي إلى أن مذاهب الفلاسفة لا يقين فيها ولا ثبات ، فهم يعتمدون فيها على الظن ، وعلى هذا الأساس تقوم براهينهم في الإلهيات لذلك اختلفوا حولها .يقول " لا تثبت ولا إتقان لمذهبهم وأنهم يحكمون بظن وتخمين ، من غير تحقيق ويقين ، ويستدلون على صدق علومهم الإلهية بظهور العلوم الحسابية والمنطقية ويستدرجون به ضعفاء العقول ، ولو كانت علومهم الإلهية متقنة البراهين نقية عن التخمين ؛ . " بل إن الفلسفة فيها كثير من الخداع والتلبيس والتخييل .
ويقرر الغزالي أنه مما زاد الطين بلة ما جرى من تحريف لما ترجم عن فلاسفة اليونان وخاصة فلسفة أرسطاطاليس التي قلدها كل من أبي نصر محمد الفارابي ( 257 – 339 هـ) وأبي على بن الحسين بن سينا ( 370 – 428 هـ ) ، اللذين قلدا – على غرار غيرهم من فلاسفة المسلمين – أرسطاطاليس في مفاسده وضلالاته . يقول : ثم المترجمون لكلام أرسطاطاليس لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل محوج إلى تفسير وتأويل ، حتى أثار ذلك أيضا نزاعاً بينهم . وأقومهم بالنقل والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام " الفارابي أبي نصر " و " ابن سينا " فنقتصر على إبطال ما اختاراه ورأياه الصحيح من مذهب رؤسائهما في الضلال ، فإن ما هجراه واستنكفا من المتابعة فيه لا يتماري في اختلاله ، ولا يفتقر إلى نظر طويل في إبطاله ، فليعلم أنا مقصرون على رد مذاهبهم بحسب نقل هذين الرجلين ، كي لا ينتشر الكلام بحسب انتشار المذاهب ." وبسبب كل المفاسد المنتشرة في كل تلك الآراء الفلسفية أكد الغزالي على كفر فلاسفة اليونانيين ومن قلدهم من فلاسفة مسلمين
ويشير الغزالي إلى أن أغاليطهم التي وقعوا فيها عشرون أصلا ووجب تكفيرهم في ثلاثة منها وتبديعهم في السبعة الأخرى . . ويذكر في مؤلفه " تهافت الفلاسفة " الثلاثة التي يجب تكفيرهم فيها على النحو التالي: " أما المسائل الثلاث ، فقد خالفوا فيها كافة المسلمين ، وذلك في قولهم :
1- إن الأجساد لا تحشر ، وإنما المثاب ، والمعاقب هي الأرواح المجردة ، والمثوبات والعقوبات روحانية لا جسمانية : ولقد صدقوا في إثبات الروحانية ، فإنها كائنة أيضاً ، ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية ، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به .
2- ومن ذلك قولهم : عن الله تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات . وهذا أيضا كفر صريح ، بل الحق أنه : " لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض " .
3 – ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل .
لكن يري بعض الباحثين أن الغزالي عندما وجه انتقاداته للفلسفة والمنطق اليونانيين لم يكن ذلك موقفاً عدائياً منه تجاههما بل إنه انتقد بعض الفلاسفة وبعض أطروحاتهم فحسب بل الأكثر من ذلك فالغزالي– عند هذا النفر من الباحثين – كان فيلسوفاً ومنطقياً عندما انتقد الفلسفة والفلاسفة . فمما لاشك فيه أن الغزالي" ربما يكون أعظم فيلسوف أفرزه الإسلام ، لأنه الروح والفكر المتوقد والعقل الأصيل الفذ المبتكر الذي حاول أن يعبر عن النسق الفكري الإسلامي الأصيل . وسواء نجح الغزالي أم لم ينجح ، فليس هنالك من شك أنه حاول محاولة رائدة ومتحررة إلى أبعد الحدود من أسر الفلسفة اليونانية ، وهي محاولة تزخر بالمثير الجديد . ولئن فشل الفلاسفة في الإشارة إليها والإشادة بها فإن ذلك مرده إلى سوء الفهم لموقف الغزإلى من الفلسفة خاصة ، ولزهد المفكرين الإسلاميين في الفلسفة عامة ، واعتبارها حكراً لفلاسفة اليونان الوثنيين.

ماذا قدمت الفلسفة للإنسانية:
سؤال مهم قدمه أحد كبار المفكرين يحتاج إلى جواب: ما حصاد الفلسفة خلال القرون القديمة والوسيطة والحديثة؟ ما الذي قدمته الفلسفة للبشرية من هداية للعقل، أو طمأنينة للقلب، أو سكينة للروح؟ إنها أثارت أسئلة عويصة ولم تجب عنها، أو أجابت إجابات ينقض بعضها بعضًا! إنها هدمـت أكثر مما بنـت، وتكلمت كثــيرًا، وكان السكــوت خيرًا لها ولأهلها لو كانوا يعلمون وها هو أحد مــؤرخي الفسلفة في عصرنا، وهــو أحد أنصارها، والمعجبين بها وول ديورانــت الأمريكي صاحب الكتاب الشهير فـي التــاريخ (قصة الحضارة) يقول في كتابه الذي سماه (مباهج الفلسفة) مبيـنًا الحصيلة الأخيرة من وراء مشوارها الطويل: "ما طبيعة العالم؟ ما مادته وما صورته؟ وما مكوناته وهيكله؟ وما مواده الأولى وقوانينه؟ ما المادة في كيفها الباطن، وفي جوهر وجودها الغامض؟ ما العقل؟ أهو على الدوام متميِّز عن المادة وذو سلطان عليها؟ أم هو أحد مشتقات المادة وعبد لها؟ أيكون كلا العالمين: الخارجي الذي ندركه بالحس، والباطني الذي نحسه في الشعور، عُرضة لقوانين ميكانيكية أو حتمية، كما قال الشاعر: (ما يكتبه الخالق في مطلع النهار نقرؤه في آخر النهار)؟ أم ثمة في المادة أو العقل، أو في كليهما، عنصر من الاتفاق والتلقائية والحرية. هذه أسئلة يسألها قلة من الناس، ويجيب عليها جميع الناس. وهي منابع فلسفاتنا الأخيرة، التي يجب أن يعتمد عليها في نهاية الأمر كل شيء آخر، في نظام متماسك من الفكر. إننا نؤثر معرفة الإجابات عن هذه الأسئلة على امتلاك سائر خيرات الأرض".

ويستطرد قائلاً: "ولنسلم أنفسنا في الحال لإخفاق لا مناص منه. لا لأن هذا الباب من الفلسفة يحتاج في إتقانه إلى معرفة كاملة ومناسبة بالرياضيات والفلك والطبيعة والكيمياء والميكانيكا وعلم الحياة وعلم النفس، فقط، بل لأنه ليس من المعقول أن نتوقع من الجزء أن يفهم الكل! فهذه النظرة الكلية - وهي فتنتنا في هذه المغامرات اللطيفة - ستبعد عن فكرنا جميع الفخاخ والمفاتن. ويكفي أن نأخذ أنفسنا بقليل من التواضع وشيء من الأمانة، لنتأكد من أن الحياة والعالم في غاية التعقيد والدقة، بحيث يصعب على عقولنا الحبيسة إدراكهما. وأكبر الظن أن أكثر نظرياتنا تبجيلاً قد يكون موضع السخرية والأسف عند الآلهة العليمة بكل شيء. فكل ما نستطيع أن نفعله هو أن نفخر باكتشاف مهاوي جهلنا! وكلما كثر علمنا قلَّت معرفتنا، لأن كل خطوة نتقدمها تكشف عن غوامض جديدة، وشكوك جديدة. (فالجزيء) يكشف عن (الذرة)، والذرة عن الإلكترون (الكهيرب)، والإلكترون عن (الكوانتوم Quantum) الكويمية. ويتحدى الكوانتوم سائر مقولاتنا ( Categories) وقوانيننا وينطوي عليها. والتعليم تجديد في العقائد وتقدم في الشك. وآلاتنا كما نرى مرتبطة بالمادة، وحواسنا بالعقل. وفي خلال هذا الضباب يجب علينا نحن (الزغب على الماء) أن نفهم البحر!".
وينتهي وول ديورانت إلى هذه النتيجة فيقول: "لنا أن نقرر أن الفلسفة تناقض نفسها باستمرار مع تتابع مذاهبها، وأن الفلاسفة جميعًا خاضعون لثورة جنون قتل الإخْوة!؟ فلا يهدأ لهم بال; حتى يحطموا كل منافس يطالب بارتقاء عرش الحقيقة؟ وكيف يجد الإنسان المشغول بالحياة من فسحة الوقت ما يفسر به هذه المتناقضات، أو ما يهدئ به هذه الحرب؟".
وهذا ما جعل بعض مؤرخي الفلسفة يقول، بعد أن عرض لعدد من الفلاسفة، هذا يثبت وذاك ينفي، وهذا يبني وآخر يهدم، وهذا روحي والثاني مادي، وهذا عقلي ومعارضه عاطفي، وواحد مثالي ومقابله واقعي، بعد هذا قال: "ما الحصيلة من هذا كله؟ إنها في الواقع ليست إلا صِفرًا!".
وكذلك كان هذا ما جعل أحد أساتذة الفلسفة المرموقين، وهو شيخنا الدكتور عبد الحليم محمود - شيخ الأزهر بعد ذلك - يقول بصراحة، بعد أن رأى تعارض الفلسفة، وتضارب نتائجها، وتناقض ثمراتها: "إن الفلسفة لا رأي لها، لأنها تقرر الشيء ونقيضه، وكل من الرأيين المتنافيين يجد من رجال الفلسفة من يؤيدَه بقوة، ويقيم الأدلة على صوابه، وخطأ غيره، فكيف يخرج الإنسان من هذه المتناقضات بطائل أو ثمرة؟ الواقع أنها لن تشفي له علة، ولن تنقع له غلة، بل الغالب أنه بعد أن يسبح في بحارها سبحًا طويلاً، سيخرج منها أشد حيرة، وأضيع سبيلاً".

لاننكر أن هناك مفكرون وفلاسفة . المفكرون هم الذين أفادوا البشرية وليس الفلاسفة. منذ عصر الأغريق إلى الأن لم يتوصل الفلاسفة إلى أي حقيقة . والعقل عندهم مصدر لكل شيء، وهوالحاكم على كل شيء، وهذا ينافي الشريعة الإسلامية.والأديان السماوية الأخرى.

عندما ازدهرت حركة نقل علوم الأوائل وترجمتها خاصة الفلسفة والمنطق في عهد المأمون في أواخر القرن الثاني الهجري ، قلد نفر من المنتسبين للإسلام فلاسفة اليونان ، وادخلوا آراءهم الفلسفية والمنطقية في الدراسات الإسلامية . مما أدي إلى ظهور بعض المفاسد والضلالات في ديار الإسلام منها فتنة خلق القرآن ، وأوذوا فيه كبار علماء المسلمين منهم الإمام أحمد بن حنبل.