بسم الله الرحمن الرحيم
إن إطلاق لفظ (زائد) في القرآن الكريم أمرٌ متنازعٌ فيه، فمنهم من يسمّيه حرف تأكيد، ومنهم من يسمّيه (صلة) ومنهم من يسمّيه (مقحم) مع تحرّج الكثيرين من إطلاق لفظ (زائد) تأدّباً من أن يكون في القرآن زيادة.


وأعلم أن الزيادة واللغو من عبارات البصريين، والصلة والحشو من عبارات الكوفيين، قال الزركشي: (وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن فزعم المبرّد وثعلب أن لا صلة في القرآن، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن، وقد وجد ذلك على وجهٍ لا يسعنا إنكاره).


وحروف الزيادة سبعة: إن، وأن، ولا، وما، ومن، والباء، واللام، وليس المراد هنا حصر الزوائد في هذه السبعة بل المراد أن الأكثر في الزيادة أن تكون بها ومن أمثلتها زيادة (إن) في قوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) الأحقاف 26، وزيادة (أن) في قوله تعالى: (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم) العنكبوت 33، وزيادة (لا) قبل القسم على قول بعضهم (لا أقسم بيوم القيامة) القيامة (1)، وزيادة (ما) في قوله تعالى: (حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم) فصلت 20، وزيادة (من) في قوله تعالى: (وما من إله إلا الله) آل عمران 62، وزيادة (الباء ) في قوله تعالى: (أليس الله بأحكم الحاكمين) التين 8.




وزيادة (اللام) في قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) 36 المؤمنون.


ومعلومٌ أن حق الزيادة أن تكون في الحرف والأفعال، أمّا في الأسماء فقد نصّ أكثر النحويين أن لا زيادة فيها.


وإن معنى كون الحرف زائداً أن أصل المعنى حاصلٌ من دونه دون توكيد، فبوجوده حصلت فائدة التوكيد، وقد يكون مراد بعض النحويين حين يطلقون لفظ (زائد) أن مرادهم بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى، على أن استعمال لفظ (صلة) أو (توكيد) قد يعصمنا من حرف حجاب الهيبة ومخالفة أصول الأدب مع كتابٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.


ولا جرم أن الواضع الحكيم لا يضع الشيء، إلا لفائدة، لذا قد يكون لهذه الصلات (الحروف الزائدة) غايات لا تقف عند التوكيد فحسب، بل قد تتجاوز ذلك إلى آفاقٍ وأمداءٍ تتجانس مع واقع الآية وجوّها الصوتي والنفسي أيضاً.


ودونك هذا المثال: قال تعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم).


وقال جلّ ذكره (فلمّا أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيرا).


قال الرافعي رحمه الله: (إن النحاة يقولون: إن ما في الآية الأولى وأن في الآية الثانية زائدتان، أي في حالة الإعراب، فيظن من لا بصر له أنهما كذلك في النظم ويقيس عليه، مع أنّ في هذه الزيادة لوناً من التصوير لو هو حذف من الكلام لذهب بكثير من حسنه وروعته فإن المراد بالآية الأولى تصوير لين النبي صلى الله عليه وسلم لقومه، وأنّ ذلك رحمةٌ من الله فجاء هذا المد في (ما) وصفاً لفظياً يؤكّد معنى اللين ويفخّمه، وفوق ذلك فإن لهجة النطق به تشعر بانعطاف وعناية لا يبتدأ هذا المعنى بأحسن منها في بلاغة السياق، ثم كان الفصل بين الباء الجارّة ومجرورها وهو لفظ (رحمة) مما يلفت النفس إلى تدبّر المعنى، وينبّه الفكر على قيمة الرحمة فيه، وذلك كلّه طبعيٌّ في بلاغة الآية كما ترى.


والمراد بالثانية تصوير الفصل الذي كان بين قيام البشير بقميص يوسف وبين مجيئه لبعد ما كان بين يوسف وأبيه وأن ذلك كأنه كان منتظراً بقلقٍ واضطراب توكدهما وتصف الطرب بمقدمه واستقراره غنّة هذه النون في الكلمة الفاصلة وهي: أن في قوله: أن جاء )1.ه.






وبعد هذا أفيقال إن هذه الحروف جاءت زائدة لمجرّد الزيادة وليس وراء ذلك شيء؟!


هذا – لا شك – اعتسافٌ وتجاوز لا يليق بكتاب الله، إنّما هي حروفٌ تؤكّد المعنى وتتجاوز التوكيد إلى ترسيخ المعنى في النفس بأصواتها وجرسها وتآلفها مع سابقها ولاحقها وامتزاجها الضروري في سياق الآية البلاغي والنفسي امتزاج الشمس بشعاعها والروح بجسدها وعلى هذا النهج المتلئب اللاحب يجري كلّ ما يظنّ أنّه مزيدٌ في القرآن والله أعلم...