أجوبة الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى -
على مسائل البيعة والإمامة


قال الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى - :

(وهذا أيضا من عقيدة أهل السنة والجماعة، أنهم لا يحملون السلاح
على أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - ، بل هذا شأن الخوارج
وكذلك لا ينزعون يدا من طاعة، بل يطيعون ولاة الأمور
ويدعون لهم بالتوفيق والهداية والصلاح، ولا يخرجوا عليهم
ولا ينزعون يدا من طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية الله
فإذا أمروا بمعصية الله فلا يطاعون في المعصية
((إنما الطاعة بالمعروف)) [رواه البخاري (4340) ومسلم (1840)].
ولهذا قال عز وجل:
{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء 59]
يعني في المعروف.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله
ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصِ الأمير فقد عصاني
)).
[رواه البخاري (2957) ومسلم (1835)]. وهو مخرج في الصحيحين.
وقال - صلى الله عليه وسلم - :
((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله
فإذا أُمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة
)).
[رواه البخاري (7144) ومسلم (1839)].
فعلى المؤمن أن يعرف ما درج عليه السلف الصالح
وأن يستقيم على ذلك، وأن يدعو لولاة الأمور بالتوفيق والهداية
وأن يناصحهم وأن يُبين لهم الخير ويحذرهم الشر
وأن يدعوهم إلى كل ما فيه طاعة الله ورسوله وأن يحذرهم
من كل ما فيه معصية الله ورسوله، وأن يكون عونا لولاة الأمور
في الخير، وعونا لهم على ترك الشر، سواء كان السلطان نفسه
أو كان مع أمير البلد أو أمير القرية وشيخ القبيلة ونحو ذلك
فإن السلطان يتنوع، فالسلطان الأعظم هو أمير المؤمنين ورئيس الدولة
ثم يجيء بعد ذلك الأمراء والرؤساء للمدن والقرى وشيوخ القبائل
كل واحد له سلطان، فالمساعدة على الخير والمعاونة على طاعة
الله ورسوله والمساعدة على ترك ما نهى الله عنه ورسوله
سواء كانت ولايتهم كبيرة أو صغيرة، لما في هذا من اجتماع الكلمة
والتعاون على البر والتقوى وتقليل الشر وتكثير الخير.

ولو كان كافرا يطاع في الخير ولا يطاع في الشر، لو بلي الناس
بأمير كافر ولم يستطيعوا بالطرق الشرعية أن يعيِّنوا غيره
أطاعوه في الخير لا الشر.
ويجوز الخروج عليه إذا كانت عندهم قدرة يترتب عليها زواله
من دون ضرر أكبر، أما إذا كان يخشى من ضرر أكبر فلا
يصبرون حتى يأتي الله بالفرج.

وإذا أتى بالكفر الصريح يُنصح ويُبيّن له الحق ويُحذر من الكفر والشرك
ويُبيّن له أن هذا يزيل ولايته ويجوز الخروج عليه لعله ينتهي
فإن هداه الله وسلم فالحمد لله، وإلا نظروا، إن كان عندهم قدرة
يعزلونه ويعيِّنون غيره فعلوه، وإلا صبروا حتى يأتي الله بالفرج.
فلا يتعرضوا لسفك الدماء بغير طائل، الفرقة أعظم
يصبرون على الجماعة ويجتهدون بالصدع، فاجتماعهم على الحق
وفي سبيل الدعوة إلى الحق - ولو كان أميرهم يدعو إلى الكفر -
خير لهم من أن يتصدعوا على الانتشار والذبح وسفك الدماء
وضياع الحق بينهم.
فقاعدة الشريعة تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها
فلا بد من مراعاة المصالح والنظر إلى المصالح والمفاسد.
فإذا كان القيام عليه لا يكون إلا بفساد وقتل المسلمين
وإضاعة الحق أكثر لم يجز الخروج، حتى يوجد ما يعين على إزالة الشر
وتقليله وتكثير الخير ويكون بتنصيب أهل الحق
مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
((إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان)).
فأباح لهم الخروج إباحة، وليس المعنى قوموا؛ وإنما معناه الإباحة
إباحة الخروج حتى يزيلوا الباطل، حسب المقام ). أهـ.


[التعليقات البازية على شرح الطحاوية (2/898-900) ط دار ابن الأثير]



-------------------


السؤال:
سماحة الشيخ : هناك من يرى أّنّ اقتراف بعض الحكام للمعاصي
والكبائر موجب للخروج عليهم، ومحاولة التغيير وإن ترتّب عليه ضرر
للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها
عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟



الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على رسول الله
وآله وأصحابه ومن اهتدى بهداه
أما بعد:
فقد قال الله - عزّ وجلّ - :
{يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً
}. [النساء: 59] .
فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم الأمراء والعلماء
وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى ، وتُقيد إطلاق الآية
بأن المراد: طاعتهم بالمعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور
في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بمعصية فلا يُطاعون في المعصية
لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
((ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله
فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا يَنْزِعن يداً من طاعة
)).
[أخرجه مسلم (1855)] .
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :
((من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات؛ مات ميتة جاهلية)).
[أخرجه مسلم (1848)].
وقال - صلى الله عليه وسلم - :
((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره
إلا أن يُؤمر في معصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
)).
[أخرجه البخاري (7144) ومسلم (1839)].
وسأله الصحابة - رضي الله عنه - لَمّا ذكر أنه يكون أمراء
تعرفون منهم وتنكرون.
قالوا: فما تأمرنا؟
قال: ((أدّوا إليهم حقهم ، وسلوا الله حقكم)).
[أخرجه البخاري (3603) ومسلم (1843)].
قال عبادة بن الصامت:
((بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة
في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا،
وألّا ننازع الأمر أهله.
قال: إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان
)).
[أخرجه مسلم (1709)].
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور
ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان
وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً
وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم
ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج
على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً
بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على
هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة
فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًّا أكثر فليس لهم الخروج
رعاية للمصالح العامة.
والقاعدة الشرعية المُجمع عليها:
(أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشرّ منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يُخفّفه).

أما درء الشر بشرٍّ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين
فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً
عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتّب على هذا
فساد كبير على المسلمين، وشرٌّ أعظم من شرِّ هذا السلطان فلا بأس.
أما إذا كان الخروج يترتّب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس
واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إلى غير هذا من الفساد العظيم
فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف
ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف
الشر وتقليله وتكثير الخير.
هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأنّ في ذلك مصالح للمسلمين عامة
ولأنّ في ذلك تقليل للشر وتكثير للخير، ولأنّ في ذلك حفظ الأمن
وسلامة المسلمين من شرٍّ أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.

[مجموع الفتاوى (8/204)]



------------------------------



السؤال:
سماحة الوالد: نعلم أنّ هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة
ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة من برى هذا
فكراً انهزامياً، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام
لذلك يدعون الشباب إلى تبنّي العنف في التغيير؟



الجواب:
هذا غلط من قائله، وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي
وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما
يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق
أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن يقعوا في الباطل حتى كفّروا المسلمين بالمعاصي
كما فعلت الخوارج، أو خَلّدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة.
فالخوارج كفّروا بالمعاصي، وخَلّدوا العصاة في النار
والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنّهم في النار مُخَلّدون فيها
ولكن قالوا: إنّهم في الدنيا بمَنْزلة بين المنزلتين، وكلّه ضلال.

والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - :
أنّ العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحِلِّها، فإذا زنى لا يكفر
وإذا سرق لا يكفر، وإذا شرب الخمر لا يكفر، ولكن يكون عاصياً
ضعيف الإيمان، فاسقاً تُقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إلّا إذا استحلّ المعصية
وقال: إنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل
.
لهذا قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - :
((إنّهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية
ثمّ لا يعودون إليه، يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان
)).
[أخرجه البخاري (7432) ومسلم (1064)].
هذه حال الخوارج بسبب غلوّهم وجهلهم وضلالهم
فلا يليق بالشباب ولا غير السباب أن يقلّدوا الخوارج والمعتزلة
بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى
الأدلّة الشرعية، فيقفوا مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج
على السلطان من أجل معصية أو معاصٍ وقعت منه، وبالجدال بالتي
هي أحسن، حتّى ينجحوا، وحتّى يقل الشر أو يزول، ويكثر الخير.
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
والله عزّ وجلّ يقول:
{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً
غليظ القلب لانفضّوا من حولك
} [آل عمران: 159].
فالواجب على الغيورين لله، وعلى دعاة الهدى:
أن يلتزموا حدود الشرع، وأن يناصحوا من ولّاهم الله الأمور
بالكلام الطيّب، والحكمة، والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقلّ الشر
وحتّى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن
لا بالعنف والشدّة، ويناصحوا من ولّاه الله الأمر بشتّى الطرق الطيبة السليمة
مع الدعاء لهم بظهر الغيب أن يهديهم ويوفقهم وعينهم على الخير
وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها وعلى إقامة الحق.
هكذا يدعو المؤمن اللهَ ويضرع إليه :
أن يهدي اللهُ ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل
وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن وبالتي هي أحسن
وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكّرهم
حتّى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدّة
وبهذا يكثر الخير ويقلّ الشر، ويهدي اللهُ ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه
وتكون العاقبة حميدة للجميع.


[مجموع الفتاوى (8/204-206)]