تحدثت اليمامة نقلا عن الحمامة ...!





نقعد عند قارعة العمر، أو الجمر، سيانْ··
فرحون بما نملك ، بما نحمل، بسلة الفواكه التي أمامنا، نأكل ونلقي خلف ظهورنا القشور·· ثم ، بغتة ، لا نجد سوى سلة فارغة من الوقت والفاكهة··!
الأشياء من حولنا، تمضي مع عام إقترب من نهايته ··
في هنيهة، هي بين الكاف والنون، وأقصر من لحظة فاصلة بين عامين ، نُراكم الذاكرة والأمل ، لولوج عام جديد نحبُ أن يكون كما نشتهي·· لعله!

**
عند بابه··
رغبتُ في الخربشة على جدران الوقت الذي مضى ، أو الذي يأتي ، لأن بينهما بوحٌ بين الذات والذات، بين الماء والماء، بيني وبينك ··
عند بابهِ··
استوقفتني يمامةٌ تحط على غصن الوقت··
مبللة كانت ، بالأمل والسكينة··
في عينيها بريق الدهر القديم ، بوجعه وحكاياته التي لا تزال تثير التساؤلات·· عن كـُنـهْ الأشياء··
كانت، كأنها، تحكي··
صوتها ، كان ، كأنه من جذور الأرض جاء··
من وعاء فخاري دافئ ، من طين ، كأصلي··
لذلك ، كنتُ أسمعه ، وأسمع صداه القادم منذ البدايات وحتى الهنيهة الأخيرة··
سبحان خالقنا ، ورازقنا ، ومُجمّلَ أوقاتنا··
كأنها قالت: ما الذي حط بخطواتك على مشاوير العمر··؟

قلت: تـُهتُ، يا سيدة النخيلِ، في وطني الذي أنا فيه، في هذه الأرض المدحيّةِ ، المنفى الذي ينفينا ، ساعة·· أنصتُ إلى هديلك الصامت الشجي، فيتسربُ من بين يدي الوقت، والمكان والأبعادُ جميعاً·· وساعة·· أشعرُ بوطنٍ كبير في ابتسامة طفلٍ، تسرقها فجأة قذيفة عمياء، فأبحث من جديد عن الذين أحبهم، فيكبر في داخلي الحنين والانتماء والطفولة··
أُقلبُ وريقات العمر التي تشدني بأمراس لا انفصام لها··
تضيق الرؤية كلما اتسعتْ·· فأركض أبحث عن وطن بمساحتي، وليس بمساحة أحلامي··!
تقولين: لماذا لا تكون المساحة والأحلام متساوية··؟!
ما خلوّها كما نشتهي ، قلت ُ، وسلمتُ مخيلتي للريح، وأطلقتُ عنان خيلي الراكضة إلى مرابعها الأولى··

قالت، كما قال أبو مالكٍ الكنعاني : هو ذا الوطن قدامك ، واسعٌ بحوائطهِ الدافئة، أقمْ حيث شئتَ·· فألفيتُ ألف يمامةٍ تحط على أغصان النخل··
صمتت اليمامةُ، تحدثت عيناها، فرصدتُ كل ذاك البريق، كل الزعيق المودي للعام الجديد، إلى بحر الوقت، فحملتُ أشرعتي، عبرتُ، ونمتُ على الغصن التاجي، فكان نبض الموج ينثرُ أزرقه بين السماء والماءُ·· وينثر الفرح··


**
ماذا تحملُ الذاكرة من العام القديم؟!
ماذا يحملُ الآتي للروح والاختلاجات··؟!
كيف نمسك بهنيهات الوقت ونزرعها باللون والعطرِ والدفء، ونذود عنها حتى النبض الأخير··؟
اليمامة تصحو من غفوتها··
نظرتْ حواليها··
رأتني معلقاً بين الأزرقين··
تركتني بين هديل البرد والسلام··
سيدة النخيل، من فخارها وشجاها لا تزال تحكي ،
فألملم أحزانها وصلصالها مؤونة لصباح جديد··