فُلوبٌ مُتَحجرَة لآ تَعرف ألرَحمَةَ
من الواقع الاليم الذى نعيش فيه
فُلوبٌ مُتَحجرَة لآ تَعرف ألرَحمَةَ 4e9dc64c4584a5881b41f1b1e92a0a24
حبيبات العرق تملأ جبينه...الذي حفر عليه الزمان آثاره...
مقطب حاجبيه إلا أنه يبتسم من وقت لآخر...
كلما تذكر قسمات صغاره الفرحة...صباح اليوم قبل خروجه إلى عمله...
وهو يعدهم بإحضار الحلوى عند عودته...
أخذ يطلق أنفاسه بتسارع...وقد أخذ الإجهاد منه كل مأخذ...
هم َّ بالتوقف إلا أنه تراجع ...
بعد أن أنعشت ذاكرته جسده قليلاً...
بأفكار "راتبه" الذي سيستلمه اليوم...
بعد عناء شهر كامل...
واصل عمله حتى سمع صوت الجرس يعلن انتهاء يومه الشاق...
تقدم بخطواته نحو الحجرة التي يجلس فيها من يترأس العمل في المكان...
دخلها ...فوجدها خالية من أي جسد سواه...
جحظت عيناه وهو لا يد ري ما يفعل...
خرج من الحجرة على عجل ...
سأل أحد العمال عما إذا كان قد رأى من
في المكتب...فأشار له إلى الشارع..
أصابه الهلع ...
وأعماقه تصرخ ...لااااااااااا...
ركض نحو الشارع ليرى سيارة...

وذلك الرجل في طريقه إليها...
ركض نحوه ...
ناداه بأعلى صوت أهدته حنجرته...
التفت الرجل إليه...بنظرات مشمئزة...
وأكمل خطواته حتى توقف عند سيارته
دون نية منه بالانتظار إلا أن ذلك العجوز
استطاع اللحاق به... حتى وقف مقابلاً له...
نطق كلماته وهو يلهث ... " راتبي...موعد راتبي اليوم"
-" ولم َ تأخرت إن كان اليوم ؟"
ألقى بسؤاله...ثم دخل سيارته وابتعد...
بقي الآخر متسمراً في مكانه...
وهو يشعر بألم الظلم يثقل جسده المنهك...
تزاحمت عشرات الصور في مخيلته..
أبناؤه وآمالهم التي نسجوها على هذا المرتب ...
سعادتهم الغامرة عندما وعدهم بالحلوى ...
زوجته...بابتسامتها المطمئنة صباح اليوم وهي تودعه...
لم يشعر بنفسه...إلا والدمعات تشاركه...قهره والظلم الذي لطخ ملامحه...
جلس على الرصيف دون نية العودة إلى منزله باكراً...
منتظراً...نوم صغاره ...لتنام معهم أحلامهم الصغيرة
...التي لم يستطع تحقيقها !!
بلآرَحمَة. . . وقلوُبٌ متحَجِرة
فُلوبٌ مُتَحجرَة لآ تَعرف ألرَحمَةَ 714d30a752c6470125f0058a3cc81183
ركض بقدر ما أهدته قدماه من سرعة...وهو يحمل أغلى جسد رأته عيناه...
شعر بقطرات الدم تملؤ يديه المتشبثتين بقميص ابنه ...
نظر إليه نظرة خاطفة...بعد أن استوجس
خيفة من الصمت الذي حل به...
كاد يصعقه ما رأى...وكلماته التي دوماً ما
كان يعلمها صغيره تتردد في أعماقه...
" البكاء للضعفاء...لا تبك ِ"
شعر بالألم يضيق أنفاسه...وهو يرى ابنه...
يعض على شفته السفلى...حتى لا يبكيِ...
دخل المستشفى ...وهو يلقي بكلمات ٍ بالكاد
فهمها الموظف...الذي ودون أن يظهر أي اهتمام طلب إثباته...
ثم..

"أنت مقيم...لا نستقبل إلا المواطنين"
أخذ ينقل نظراته ما بين ابنه الملطخ بالدماء والموظف
...الذي التفت ليكمل عمله مع شخص آخر ...
صرخ محاولاً لفت انتباه قلب يسانده دون جدوى...
شعر برجفة صغيره بين يديه...قبض على جسده بقوة..
مسنداً جسده إلى الحائط خلفه...
مد ابنه يده ومحا دمعات والده ...ونطق بمشقة..
"البكاء للضعفاء...لا تبك ِ "
شيء ما كان يخبره بأنها النهاية..
نعم...هي النهاية...
توقفت رجفة الطفل...أغمض عينيه...ورحل..
تمتم والده وهو يبكي..
" ابك ِ ...أرجوك ..ابك ِ"
بلاَرحَمة َ. . . وقلوُبٌ متحَجِرة
فُلوبٌ مُتَحجرَة لآ تَعرف ألرَحمَةَ D5c84e76616bc647682936860c13c520
يطلق الهواء بضجر....من رئتيه المنتفختين ...

متجاهلاً عيون العشرات التي تحدق به...
يدفع عجلات الكرسي الذي يحتويه...بيدين أبى الألم مفارقتهما..
دون أن يجعل لفكرة ((التوقف)) سبيلاً إليه...
يكمل طريقه إلى حيث يريد...
يقترب...
ثم يقترب أكثر...ويتبين له الزحام أمام ذلك المبنى...
"ألا يكفي زحام البشر حتى يزاحمنا هذا بكرسي"
تخترق أذنه كلمات هذه العبارة...يحاول تجاهلها...
باحثاً بعينيه عن مدخل خُصّص لاحتياجاته...
يطول بحثه ...ليدرك بعدها بأنه ما من مدخل ..
سوى درجات سلم... حُرم عليه صعوده...
يدفع بعدها عجلات الكرسي...بقوة أكبر عائداً من حيث أتى..
وهو يدافع دمعات القهر في عينيه...