السؤال

لدي سؤال يراودني كثيرًا، ولم أجد له أي إجابة، ما هو معنى الحديث الذي يقول: (ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي)؟ وإذا كان الله تعالى حرم الظلم على نفسه، فلماذا لم يقسم الأرزاق بين الناس بالعدل، لماذا فضل فئة على فئة؟ ولماذا هناك أشخاص لديهم المال والعلم والجمال وكل شيء، وهناك أشخاص ليس لديهم أي شي ؟ ولماذا لم يعطي الله تعالى كل شخص كل شيء؟ أي ماهو ذنب الأشخاص الذي لم يعطهم الله تعالى أي شيء؟ أريد جوابا مفصلا؛ لأنني أصبحت تروادني الشكوك عن الإسلام وعن الله سبحانه وتعالى، أيضًا هل يجوز لي الدعاء على الأشخاص الذين يعتدون علي بالكلام، وهم لم يبلغوا بعد؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:
الله منزه عن الظلم


الله سبحانه منزه عن الظلم ، وهو غني عظيم لا يحتاج إلى خلقه، كما قال سبحانه: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ فاطر/15- 17

وقال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فصلت/46

وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا النساء/40

وفي الحديث القدسي المشهور: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا رواه مسلم (2577).

والإنسان بالنسبة لمخلوقات الله العظيمة من العرش والكرسي والمجرات والشموس والأقمار: ما هو إلا كذرة أو حبة رمل في صحراء عظيمة!

فالله غنيٌّ غنىً مطلقا عن ظلم هذه الذرة التي ينعم عليها بالحياة، ويمدها بالسمع والبصر، ويفيض عليها من خزائنه!

فوا عجبا لهذا المخلوق الذي لا يساوي شيئا ؛ حين ينسى قدره، ويستخفه الشيطان بفكره: أن يخاصم الرحمن في أفعاله وقدره !! أو حين يخطر بباله أن الله الكبير المتعال المتفضل عليه بكل شيء، يظلمه!

أنت بحاجة أولا إلى معرفة أن الله عظيم، غني، مالك، منعم، محسن ، متفضل، كريم، وهاب، ما من خير يأتي العبد إلا والله هو المتفضل به، ابتداء من نعمة الإيجاد، إلى دخول الجنة والتنعم بها.

وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ النحل/53.

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إبراهيم/34.

وثانيا: أن تعلمي ما هو الظلم؟

الظلم أن يأخذ منك ما تملكين، أو يعاقبك بلا ذنب، أو أن يضيع حسناتك، أو يأخذها منك ليعطيها لغيرك، أو أن يكافئك على الحسنات بالنار.

والله منزه عن ذلك كله.

ولا يستطيع إنسان أن ينسب شيئا من هذا لله.

وقد طمأن الله عباده فبين لهم أنه لا يظلمون شيئا.

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا طه/112.

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ البقرة/281.

وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ يونس/54.

وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الأحقاف/19.

وثالثا: أن تعلمي الفرق بين العدل والفضل.

فالعدل ألا يظلمك. وأما الفضل فيؤتيه من يشاء.

فهو سبحانه لا يظلم عباده شيئا، ولكنه ذو الفضل العظيم يتفضل على من يشاء، وهو أعلم بمن يستحق فضله، كما قال: وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ البقرة/105.

وقال: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ آل عمران/73، 74.

وقال: ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا النساء/70.

فالله سبحانه يرسل رسله، وينزل كتبه، ويبين أمره ونهيه، فمن شاء آمن ومن شاء كفر، ومن كفر كان مصيره النار، وهذا عدله.

وهو سبحانه يتفضل على من يشاء، فيشرح صدره، ويعينه على الهداية، ويثبته على الحق، وهذا فضله.

والله سبحانه يأمر عباده بالسعي في الأرض، وابتغاء الرزق، فمنهم من يجد ويجتهد وينجح ويجمع المال والغنى، ومنهم من يتوانى ويكسل ويرضى بالفقر والضعف، وهذا عدل.

وهو سبحانه يتفضل على من يشاء، فيبارك له، وييسر له الأسباب، ويوفقه لتجارة رابحة، أو عمل مثمر، وهذا فضل.

ورابعاً : أن تعلمي أن الله هو الرب العليم الحكيم الذي لا يُسأل عما يفعل.

فلا يقال للرب: لم أعطيت فلانا ولم تعط فلانا؟

ولا يقال للرب: لم خلقت هذا جميلا وهذا دميما؟

ولو كان الرب يُسأل، لما كان فرق بين الرب والعبد!

ولكن تأملي حكمة الله، فإنه قد يعطي الجمال والمال، فيطغى العبد ويكون مصيره إلى النار.

وقد يعطي الجمال والمال، فلا يشكره العبد، فيكون ذلك سببا لبلائه وشقائه.

وقد يسلب الجمال، ويعطي الهداية، ويقذف في القلب الرضى، فيكون صاحبه من أسعد الناس!

وقد يجمع لعبده الجمال والهداية والسعادة، وهذا فضله يؤتيه من يشاء.

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الشورى/27.

وخامساً : أن تعلمي أن عطاء الله، لمن أعطاه من عباده، ليس لأجل كرامة من أعطاه، أو فضله، أو صلاحه.

وأن منعه، لمن منعه من عباده، ليس لأجل هوانه عليه، أو سوء حاله، أو فساده. بل لحكمة بالغة، يعلمه اللطيف الخبير، لا يحيط العباد بكنهها، وأسرارها.

قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا الفجر/15-17. كلا؛ يعني: ليس الأمر كما تقولون، وتقدرون، من أن الإنعام بمال أو رزق: كرامة، والحرمان من ذلك إهانة؛ بل لحكمة بالغة للحكيم الخبير، يبتلي بذلك من يشاء من عباده.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله:

"يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو ، وأنه جاهل ظالم ، لا علم له بالعواقب ، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول ، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه ، وأنه إذا قدر عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي: ضيقه ، فصار بقدر قوته لا يفضل منه ، أن هذا إهانة من الله له ، فرد الله عليه هذا الحسبان بقوله كَلا أي: ليس كلُّ مَنْ نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليّ ، ولا كلُّ من قدَرْت عليه رزقه فهو مهان لدي ، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق ، ابتلاء من الله ، وامتحان يمتحن به العباد ، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل ، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل.

وأيضًا: فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط ، من ضعف الهمة ، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين... " انتهى من "تفسير السعدي" (924).

فدعي عنك الوساوس، وتعلمي كيف تحبين الله؟ وكيف تقبلين عليه؟ وتشكرين نعمه، وتتأملين في عطاياه، وتنتظرين فضله، وتطمعين في جنته، وتشتاقين لرؤيته.

دعي عنك الجحود والتمرد وإنكار الفضل، وتفكري في آلاف النعم التي أنعم بها عليك ، وأعظمها أن جعلك أمة تسجدين له، وترفعين يديك إليه، وكم حُرم أناس من هذه النعمة، فهم يتوجهون لغيره، ويتقربون لسواه.

إنك أختنا الكريمة مُكرّمة منعمة مفضلة على ملايين من البشر، فقولي: الحمد لله.

وإنك في هذه الدنيا مهما بلغ شقاؤك، لو آمنت بالله فأدخلك الجنة، لما تذكرت شقاء قط، فاحمدي الله.

وإنك مهما كان بلاؤك في الدنيا في صحة أو مال أو جمال، فصبرت، لعوضك عن ذلك بما لا يخطر على بالك؛ لأنه الرب الكريم الرحيم، لا يتكرّم عليه عبده، ولا يترك عبده شيئا لأجله، أو يفعل شيئا لأجله إلا يعوضه عن ذلك أضعافا مضاعفة.

فاثبتي على دينك، وأقبلي على خالقك، ولتكن عينك على النعيم المقيم الذي أعده الله لعباده في الآخرة، فإن الآخرة هي الحيوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.

روى البخاري (6571)، ومسلم (186) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قَالَ: فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - ، قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي - أَوْ أَتَضْحَكُ بِي - وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ: ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً .

روى مسلم (2807) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ.

وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ


.

نسأل الله أن يشرح صدرك، ويهدي قلبك، ويثبت إيمانك، ويجعلك من الصالحات القانتات الشاكرات.


ثانيا:
هل يجوز الدعاء على المعتدي؟


لا ينبغي أن تدعي على أحد، لا سيما الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فخير من ذلك أن تحسني إليهم، وأن تكسبي قلوبهم، وأن تكوني قدوة صالحة لهم، فإن أصابك منهم أذى فاصبري، كما جاء في وصية لقمان: يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ لقمان/17.

وعوّدي لسانك قول الجميل، فإذا دعوت، دعوت بالهداية والصلاح، كأن تقولي: هداك الله، أصلحك الله.

وأما الدعاء على المعتدي: فقد يتجاوز الإنسان فيه، ويتعدى حقه، فيكون ظالما.

وقد تستجاب دعوته، فينزل المكروه بمن دعا عليه، فيعود عليه ذلك بالألم والحسرة.

فإن كان ولابد فقولي: اللهم اكفني شرهم، اللهم اصرف عني أذاهم.. ونحو ذلك.

والله أعلم.


المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب